بسم الله الرحمن الرحيم
كثيرة هي النواحي التي يحتاج آباء هذه الأيام تغطيتها رحمة ورعاية لأطفالهم - بل إن منها ما ينبغي الانتباه له باكراً لمن رغب في صلاح ذريته ومن ذلك:
-أحسن إلى طفلك – منذ طفولتك أنت! فإن كنت باراً بوالديك في طفولتك وشبابك كانت ذريتك بارة بك وكان ذلك سبباً لنجاتهم وصلاح أمورهم – أما سمعت قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : "بروا آباءكم تبركم أبناؤكم؟"
-أحسن إلى طفلك في شبابك! فلا تستهتر في شبابك ولا تقع في أمر ستنهاه عنه إذا بلغ مثل عمرك – فإن أكثرت من المعاصي وأعرضت عن التوبة في سنوات طيشك فبأي وجه تأمر ولدك وتنهاه: لاتنه عن عمل وتأتي مثله عار عليك إذا فعلت عظيم
-أحسن إلى طفلك قبل أن تتزوج وحين تريد الزواج! فإذا أردت أن تختار لنفسك زوجة فاختر لولدك أماً ومربية – اختر له أما صالحة حسنة الأخلاق والطباع بارة بوالديها وصولة لأقاربها وذويها – متسامحة صبورة – كثيرة الذكر والقرآن قليلة اللغو تنأى بنفسها عن الغيبة والنميمة – فإن فعلت ذلك فقد أحسنت إلى نفسك أولاً وإلى ذريتك ثانياً – وإلى والديك وأرحامك ثالثاُ فمن كانت بارة بوالديها يغلب أن تكون بارة بوالديك
-أحسن إلى طفلك بتحري الحلال في رزقك – كل لحم نبت من سحت فالنار أولى به – والمال الحرام سم بطيء يقتل القلب ويميت الإيمان وربما يموت قلب آكل الربا وهو في أول عمره ويستمر بدنه بالحياة مائة عام – لا هو يتوب فيها ولا يدرك قلبه نور الحلال – إن المؤمن ليصبر على الجوع والعطش ولا يصبر على الحرام
-أحسن إلى طفلك إذا أتيت إلى بيتك – وابذل له من محبتك وحديثك أكثر مما تبذل له من مالك – فإنك لن تستطيع أن توظف سواك ليقوم بمهمة الأب – وعليك بذل هذا الوقت معه وعليك النظر في عينيه وسماع كلامه بدل سماع التلفاز ومحادثة الشيشة والسيجارة والموبايل والانترنت لساعات طويلة – فإن أنت فعلت ذلك كنت قدوة له واستحب محادثتك على سواها – واستحب الصلة مع البشر على الصلة مع الكهربائيات والجمادات الناطقة – وإن أهملته نشأ يتيماً لأبيه ولو كان أباه حياً معرضاً عنه
-إذا استطعت أن تنشئ طفلك في بيت يتحدث لغة القرآن لا غيرها فقد أحسنت إليه – ولكن إذا اضطررت إلى أن تستخدم في بيتك رجالاً أو نساء غرباء اللسان فاحرص على صون لغة ابنك وأخلاقه – واحرص أن تختار لبيتك من دينه الإسلام ولديه القدرة على التكلم بالعربية بما يفهم طفلك – ومر السائق والخادم ألا يتكلموا أمامه بلسان عجمي أبداً ولو بقوا صامتين وأن يتكلموا بما يعرفون من اللغة العربية – وعليك مع ذلك أن تعمل على جبر النقص وحماية لسان بنيك وقلوبهم من التشويه والعجمة – وعلى العموم: إذا استطعت أن تستغني عن الخدم بالاستفادة من تقنيات العصر الحديث وتسهيلاته فافعل ولا تسكن غير ذوي القربى في بيتك فإنك بذلك تحمي أولادك من الكبر والاستعلاء والكسل بالإضافة إلى ما ذكرته من التشويه والعجمة
-لا تشجع بنيك على اللفظ الأعجم ولا تكافئهم على "أوكي" أو "مرسي" أو "باي" بنظرة استحسان وابتسامة بل عاتبهم وعاقبهم باعراضك واستنكارك وتقطيب حاجبيك.
-كن لبنيك صديقاً ورفيقاً في درب الحياة فهذه حقيقة الأمر – أنت لم تخلقهم ولم تشترهم من السوق – ليس عليك رزقهم بل الله يرزقك وإياهم – لا تملكهم وليسوا لك بعبيد – ومع ذلك أنت مسئول عن رعيتك أمام الله – فلا يمكنك أن تتيح لهم المعاصي في بيتك وتحت سمعك وبصرك بحضورك أو غيابك – فاجعل ذلك نصب عينيك ووفر لهم بديلاً يرضي الله عنك وعنهم وإن لم يوافق هوى نفوسهم – وسوف يعتادون على طاعة الله إن شاء الله
-لا تغضب – ولا تظلم – ولا تكذب – ولا تخلف وعدك – ولا تقبل بالخطأ في بيتك – كن حليماً بشوشاً حازماً مهيباً – فولدك يتعلم من أفعالك ومعاملاتك له ولغيره أكثر مما يتعلم من كلامك ونصائحك
-إن الله لا يحاسب طفلك قبل بلوغه مبلغ الرجال فلا تعاقبه بما لم يأمر الله به ولا تفرط في تأديبه بل اتركه ينشأ كالشجرة الطيبة – فالشجر المثمر إن بالغت في تقليم عروقه وهو صغير مات أو نشأ ضعيفاً وأن تركته ينمو بلا ضابط ثقلت فروعه وانكسرت وتشتت جذعه وتضاءلت ثماره فعليك بالحكمة ومراقبة الله عند تأديبك لطفلك – فلو أن الله حاسبك على كل أخطائك – بل لو أعجل حسابك على أصغر أخطائك قبل أن يترك لك مجال التوبة لهلكت منذ زمن طويل – فخذ هذا الأمر بالحسبان عند تربيتك لأطفالك.
والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم